فاروق حسني- بين حروب الثقافة والتطبيع وفتنة اليونسكو

إذا عزم مؤرخ على تدوين المسيرة المهنية لفاروق حسني، وزير الثقافة المصري الأسبق، فإنه سيواجه مهمة عسيرة، ولن يفلح إلا بالاستعانة بخبرات بهلوان في السيرك. إنها لعبة محفوفة بالمخاطر، تتطلب تدريبًا عقليًا وبدنيًا مضنيًا، قبل الشروع في استعراض يتسم بمرونة فائقة، وتحكم دقيق في الزمن والمسافات بالغة الصغر، إذ لا مكان للخطأ. يجب أن تتحرك الأطراف بتلقائية تامة، دون انتظار الأوامر، فالتفكير المتأني قد يفضي إلى كارثة ناجمة عن قرارات العقل. هنا يبرز الحدس، ويربط الفعل بالقرار، وتكون الحركات أسرع وأكثر دقة من استجابة المخ للأوامر.
بهذه الطريقة، انطلق الشاب السكندري الطموح من منصب مدير قصر الثقافة بالأنفوشي في الإسكندرية، متجهًا نحو باريس وروما، وكانت القاهرة هي المقصد النهائي. كان يزورها متوددًا إلى مديري القاعات والمسؤولين، متمنيًا أن يحظى بإدارة دار الأوبرا المرموقة.
معارك ومهارة
جاء تعيينه وزيرًا للثقافة بمثابة مفاجأة غير مرحب بها للبعض، وأثار دهشة الكثيرين، وصدم أشد المعارضين الذين تفاجئوا باختيار شاب من خارج الدائرة المقربة. وفي لحظة زلة لسان، صرح بأنه أدخل المثقفين إلى "حظيرة الدولة"، قاصدًا "حظيرة الحكومة"، وهو تصريح كان أقوى من قرار إقالته أو تغييره، كما هو معتاد مع الوزراء. وعندما أدرك زكريا عزمي، رئيس ديوان حسني مبارك، أن حسني كان أذكى الوزراء، قال له مداعبًا: "رفقًا يا فاروق، ألم يكن حلمك هو إدارة الأوبرا؟" وهكذا، أصبحت دار الأوبرا جزءًا من مملكته، التي شملت أيضًا آثار مصر العريقة. ومنذ اليوم الأول لتوليه منصبه، واجه سلسلة من المعارك، بدأت بمجرد اختياره وزيرًا، قبل حتى تقييم أدائه. ولكن بفضل دهائه كتعلب وخبراته الأوروبية وعلاقاته السياسية، تمكن من تحقيق الانتصار تلو الآخر. ولم يكن ليغادر الوزارة إلا باندلاع ثورة، وهو ما حدث بالفعل في 25 يناير/كانون الثاني 2011.
لقد طوت ثورة 25 يناير/كانون الثاني صفحة الماضي، وحاولت إدانة رموز النظام السابق. ولعل فاروق حسني، بحسه المرهف، كان قد توقع حدوث مثل هذا اليوم، فقام بجمع فواتير لوحات فنية بيعت هنا وهناك. ولم يكن ينقصه، أثناء التحقيق في مصادر ثروته، إلا المطالبة ببقية مستحقاته، بالنظر إلى أسعار أعماله في سوق الفن التشكيلي المزدهر.
أي شخص عاقل ومنظم ومتشكك لا يثق بأحد بسهولة، وحتى لو احتفظ برسائل من صحفي مقرب، فقد ينقلب هذا الصحفي ويكشف أسرارًا، قد يتوهم أنها أسرارًا خطيرة. وقد يتفاجأ بنشر صحيفة لرسائل شخصية، إحداها تتعلق بحاجة الصحفي إلى علاج البواسير. في المعارك، حتى الصغيرة منها، لا يتم التساؤل عن شرف الوسائل أو أنواع الأسلحة المستخدمة. تتدهور الأمور وتصل إلى الحديث عن البواسير، فتزول الأقنعة والأزياء، وترفع الرايات البيضاء.
لقد اتخذ حسني احتياطات وقائية تفصيلية واستثنائية، وحافظ على حذر دائم، وتوازى ذلك مع صلابته وتأييده للمثقفين في رفضهم المبدئي لمحاولات التطبيع مع إسرائيل، باستثناء حادثة عام 2009. وقبل ذلك، كان حظر التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاشم هو التوصية الأولى للمؤتمر السنوي لأدباء مصر، بحضور الوزير نفسه. إن شبهة التطبيع بمثابة صاعق كهربائي يصيب المتهم بها، سواء كانوا أفرادًا أو مؤسسات أو أنشطة رسمية.
في مهرجان الإسماعيلية الدولي التاسع للأفلام التسجيلية والقصيرة، الذي أقيم في سبتمبر/أيلول 2005، عُرض بالخطأ فيلم يحمل عنوانًا عبريًا، فاعتذرت إدارة المهرجان موضحة أن الفيلم جاء ضمن شريط "بيتاكام" يحتوي على أحد الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية، وهو الفيلم الهندي "بداية جديدة"، من إنتاج اليونسكو. وأكدت إدارة المهرجان على "موقفها الدائم والمبدئي الرافض لأي شكل من أشكال التطبيع مع الدولة العبرية".
اختتمت إدارة المهرجان بيانها العاجل بهذه الكلمات: "مرة أخرى نعتذر لكم... وللشاشة التي عُرض عليها الشريط"، وكأن الفيلم وعنوانه العبري كان نجسًا. فما الذي تغير في ربيع عام 2009، لكي يشرف فاروق حسني على حادث تطبيعي مفاجئ؟ كان الحلم بمنصب في اليونسكو فتنة دفعت كبار موظفيه إلى تبرير غير مقبول. لقد حشد حشدًا متحمسًا أوقع في شباكه بعضًا من رموز مقاومي التطبيع السابقين. وتم استخدام اسم إدوارد سعيد للتضليل، لولا الأصوات القوية التي استنكرت هذا الاختراق. كان بطل الواقعة هو الموسيقي الإسرائيلي دانييل بارنبويم، المولود في الأرجنتين عام 1942، وهو صديق لإدوارد سعيد، وقد أسسا معًا أوركسترا السلام لتقديم حفلات حول العالم، بما في ذلك حفل "هنا في المغرب" الذي أقيم عام 2003 في مسرح محمد الخامس في الرباط.
ليس باسمنا
أصدرت سفارة النمسا، التي كانت راعية الحفل بالتعاون مع الخارجية الإسبانية، بيانًا خاليًا تمامًا من الإشارة إلى الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من مرور ستة عشر عامًا على اتفاقية أوسلو، ولم يعنيه حصار جيش الاحتلال لياسر عرفات عام 2002. لقد كان بيانًا مائعًا حول انتماء الموسيقي الإسرائيلي بارنبويم إلى "الذين ينادون بحل سلمي لمشكلة الشرق الأوسط".
صيغة "الشرق الأوسط" صيغة خادعة وماكرة، لأنها يمكن أن تشمل مشكلات واحتلالات متعددة، بدءًا من سبتة ومليلية المغربيتين وصولًا إلى فلسطين المحتلة. تجاهل البيان حقيقة أن فلسطين محتلة، وأنها قضية وليست مجرد "مشكلة". ولم يذكر البيان أن عرفات قد وضع السلاح وتبنى الحل السلمي، بينما العدو الصهيوني يحرق أوراق الزيتون وأوراق المعاهدات، وأن بارنبويم يحمل الجنسية الإسرائيلية ويرى في تأسيس الدولة الصهيونية عدالة كونية.
عشية الحفل، الذي أقيم في دار الأوبرا بتاريخ 16 أبريل/نيسان 2009، صرح بارنبويم في مؤتمر صحفي بأنه دخل مصر بجواز سفره الإسباني، وأن حضوره ليس تطبيعًا، قائلاً: "أتيت لأقدم موسيقى". وأعرب عن سعادته بحصوله على جواز سفر منحته إياه السلطة الفلسطينية. وسبق الحفل تمهيد إعلامي كثيف استمرت عواصفه وغباره وأدخنة حتى أنهى حلم الوزير بمنصب في اليونسكو.
ففي يوم 8 أبريل/نيسان، كتبت الناقدة فريدة النقاش، رئيسة تحرير صحيفة "الأهالي"، لسان حزب التجمع اليساري، مقالًا تحيي فيه فاروق حسني، الذي "أحسن صنعًا حين دعا بارنبويم"، نافية أن يكون حضوره تطبيعًا، "وإنما حرث للأرض من أجل المستقبل". وعرّفت بارنبويم بأنه "قائد أوركسترا من الأرجنتين... ولأنه من أصل يهودي منحته إسرائيل جنسيتها".
وفي 11 أبريل/نيسان، استضاف سمير فريد في عموده اليومي بصحيفة "المصري اليوم" فريدة النقاش "الزميلة العزيزة التي اشتركت معها في لجنة مقاومة التطبيع، منذ أن كان لهذه المقاومة ثمن غال أيام حكم السادات"، وأعاد نشر فقرات من مقالها. وفي الحفل، سيقول بارنبويم إنه تربى وتعلم في إسرائيل، مما أحرج فريدة وغيرها ممن يقولون، مثلها، إنه أرجنتيني، "ولأنه من أصل يهودي منحته إسرائيل جنسيتها".
وفي يوم الحفل، نشر سمير فريد مقالًا عنوانه "اليوم يشع الجمال من أصابع دانييل بارنبويم في مصر الحضارة". المقال يتكون من خمس فقرات، أربع منها تبدأ هكذا: "مصر الحضارة ترحب بدانييل بارنبويم". هذا تعميم غير منطقي، ويمكن الرد عليه بسهولة بكلمتين: ليس باسمنا.
تمييز عنصري ديني وعرقي
وصف سمير فريد بارنبويم بأنه "الإنسان النبيل". وفي 20 أبريل/نيسان، نشر مقالًا ثالثًا عنوانه "ليلة لا تنسى في الأوبرا: دروس في الجمال والتسامح وتمجيد الحرية". ويمكن للقارئ أن يتوقع ما يمكن أن يحمله مقال بهذا العنوان. والأهم هو أن الحفل كان "كامل العدد". والخطورة تكمن في أنه أورد تعليقًا لشخص مجهول في الحفل، لم يتأثر بالموسيقى والجمال والتسامح والحرية، ففي نهاية الحفل قال بارنبويم إنه يعلم أن في مصر معارضين لزيارته، "وفي هذه اللحظة ارتفع صوت من الصالة قائلاً: فليذهبوا إلى الجحيم". هذا تعليق خطير لا يقل إرهابًا عما لو قال: "فليذهبوا إلى المحرقة". ولم يتوقف سمير فريد أمام هذا التعليق المتعصب، المشحون بالكراهية تجاه رافضي زيارة بارنبويم.
وسط التمهيد الاحتفالي المرحب، استبقت المستشارة تهاني الجبالي، نائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا، الحفل بمقال عنوانه "ضمير المثقف بين شابلن وبارنبويم"، بدأته برفض شارلي شابلن "بضمير المثقف وعظمة الفنان" حمل الجنسية الإسرائيلية رقم (1)، وأنه رد على تلك الدعوة بمقال اعتبر فيه إنشاء دولة لليهود بالقوة المسلحة تسللًا للسم العنصري النازي "من جسد الجلاد إلى الضحية، فأصبحت جلادًا بدورها تبحث عن ضحية... ستكون الشعب الفلسطيني، وأن فكرة جمع اليهود في دولة كهذه مثل أن يفكر أحد في جمع الكاثوليك في الفاتيكان". وقالت إن حمل بارنبويم جنسية إسرائيل إنما هو "قبول بانتماء يتعلق بجوهر الصراع الثقافي مع الفكرة الصهيونية" ("الأهرام"، 16 أبريل/نيسان).
لم يمنع إقرار تهاني الجبالي بالامتياز الفني لبارنبويم من التوجه إليه وإلى أي مثقف في العالم بسؤال حاسم: "هل يقبل الانتماء لدولة تقوم على العنصرية الدينية والعرقية أم لا؟ وهل يملك شجاعة محاكمة هذا النموذج للتمييز العنصري كموقف ثقافي وأخلاقي؟... هل يقبل بضمير المثقف لا بتوازنات السياسة أن ينتمي لجنسية دولة تمثل كيانًا استيطانيًا عنصريًا يقوم على العنصرية الدينية والعرقية وإبادة الآخر؟ أم أنها لحظة مواتية "ربما" لخلع هذه الجنسية البغيضة من بطاقة جنسياته المتعددة؟".فما كان من سمير فريد إلا أن رد عليها، في 21 أبريل/نيسان، بمقال عنوانه "لنضع كل النقاط فوق كل الحروف فيما خص التطبيع والحرب والسلام".
لا أحب التعبيرات الأجنبية، مثل: "النقاط فوق الحروف"، في بلاد حارة، شحيحة المطر لا الثلج، وفي لغتها تكثر النقاط تحت الحروف، على عكس الإنجليزية مثلاً. لكن سمير فريد ترك أسئلة القاضية عن العنصرية والتمييز والإبادة، وأبدى دهشته "لمطالبتها بارنبويم التخلي عن جنسيته الإسرائيلية ليثبت أنه يؤيد السلام بحق، فالدعوة إلى السلام تعني حل مشكلة بين طرفين عن غير طريق القوة العسكرية، وليس بإلغاء طرف دون آخر".
تهاني الجبالي لم تطالب بإلغاء إسرائيل، ولم يطالب بذلك أي من المؤرخين الجدد الذين استيقظوا وأعادوا النظر في الرواية الصهيونية الرسمية، وانتصروا بدراساتهم للحقيقة، وأعلنوها بجرأة، والبعض غادر إسرائيل انحيازاً إلى الضمير.
استنارة انتقائية
لم ينافس سمير فريد، من حيث حجم المقالات وعدد الكلمات، إلا الدكتور جابر عصفور، الذراع الأيمن للوزير. في كتابي "الثورة الآن"، وثقت بعضًا من تناقضاته، بدءًا من مديح نظام حسني مبارك وصولًا إلى قسوة الاتهام بعد خلعه. أما عن تأييده للمواقف المتباينة لفاروق حسني، فنشرت بعضًا منها، في يونيو/حزيران 2014، وعصفور وزير، في مقال عنوانه "جابر عصفور.. موظف يمارس الاستنارة الانتقائية". ولا أتذكر أنه خصص لقضية واحدة ثلاثة مقالات في جريدة الأهرام المرموقة، لكنه فعلها دفاعًا عن استضافة بارنبويم، بداية من 20 أبريل/نيسان، وتابع في الأسبوعين التاليين، تحت عنوان "من جهل شيئًا عاداه"، انتصارًا لفاروق حسني الذي ذكره في المقال الأول سبع مرات: خمس مرات بالاسم الصريح ومرتين بصفته وزيرًا.
اتهم عصفور رافضي حضور بارنبويم بالجهل، قائلاً: "الذي شرفنا... فنحن نعرفه ولا نجهل قدره، ونسعد بحضوره إلى بلدنا الذي لم يتردد فاروق حسني في تحيته، ومعه كل المثقفين الشرفاء الذين لن يقبلوا بالتطبيع الثقافي مع إسرائيل إلا بعد تحقيق السلام العادل".
انتهى الحفل، وبقيت دلالاته، فكتب أحمد الخميسي في صحيفة "أخبار الأدب"، بتاريخ 26 أبريل/نيسان، مقالًا عنوانه "الأوبرا المصرية مغلقة أمام سيد درويش.. مفتوحة للإسرائيليين؟"، مشيرًا إلى أن الأوبرا تجاهلت ذكرى سيد درويش تمامًا في الشهر السابق، في شهر مارس/آذار. وقال إنه يوجد في العالم "عشرات بارنبويم لم تتم دعوتهم"، ورفض التعلل بصداقة سعيد لبارنبويم، فمن يتحدث عن السلام بعمومية في ظل احتلال فلسطين "لا يدعو إلا لاستمرار الاحتلال".
أحمد الخميسي وضع النقاط فوق الحروف وتحت الحروف بخصوص حفل لبارنبويم في فيينا، في شهر يناير/كانون الثاني 2009، أثناء المجازر الإسرائيلية في غزة، وأنه انتقد في بيان صحفي الغارات الإسرائيلية، كما "شدد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، ليصبح العدوان "دفاعًا عن نفسها"، في تجاهل تام لحقيقة احتلال دولة لأرض شعب آخر.
أما أحمد الآخر، الشاعر عبد المعطي حجازي، فقد وبخ المصريين في صحيفة "المصري اليوم" بتاريخ 28 أبريل/نيسان، وأكد أن بارنبويم "ليس مجرد إسرائيلي!" (علامة التعجب لحجازي)، في عنوان مقال يجرد بارنبويم الذي "لا يعيش في بلد، وإنما يعيش في فنه"، وأن الذين يرونه مجرد إسرائيلي "جهلاء أو مضللون... ويلعبون دورهم الذي أشرت إليه في بداية المقالة وهو دور رخيص. هو دور رخيص لأن الذين يلعبونه يستغلون فيه جهل الكثيرين وسلبيتهم، وخوفهم من أن يتهموا في وطنيتهم".
الرسوب في اختبار الديمقراطية
الآن، وأنا أستعيد عصبية الشاعر، ودفاع المتحمسين عن وزير الثقافة، يثير دهشتي هذا الفشل الذريع في اختبار الديمقراطية. إن رافضي بارنبويم لم يفعلوا شيئًا سوى التعبير عن رأيهم، سواء بالقول أو بالكتابة إن وجدوا إلى ذلك سبيلاً. أما المتشنجون الشتامون فلم يحتملوا رأيًا آخر. ولو افترضنا أن بارنبويم استأجر صحفيًا أو كاتبًا صهيونيًا، فهل كانت حدة العصبية ستختلف في الدرجة أو النوع عن مثيلتها في الحملة المصرية التي انهالت عليها الانتقادات؟
ربما كانت الحملة تهدف إلى دعم الوزير فاروق حسني، المرشح لمنصب قيادي في منظمة اليونسكو، عبر بوابة بارنبويم. وحين خسر المنصب في شهر سبتمبر/أيلول 2009، ألقى باللوم على الآخرين، وقال في مطار القاهرة: "المنافسة على منصب رئاسة اليونسكو تم تسييسها". من السهل على الفاشل، سواء في التعليم أو السياسة أو كرة القدم، أن يلجأ إلى نظرية المؤامرة لتبرير إخفاقه.
وسوف نشهد ألوانًا ودرجات مختلفة من العصبية والتشنج في عام 2016، بمجرد الإعلان عن التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير. ولم يتردد أفراد كتيبة الهتافين في الطعن في وطنية المدافعين عن مصرية الجزيرتين، واتهامهم بالخيانة. وتبقى واقعة بارنبويم دليلًا قاطعًا على هشاشة الكثير من رموز رافعي شعارات الاستنارة وحرية الرأي والتعبير.
تظل هذه الواقعة بمثابة إدانة صريحة لمثقفين مستعدين لأن يكونوا رأس حربة لتحقيق مصالحهم الشخصية، طمعًا في المال والسلطة، فاختيار الذهب يظل أكثر إغراء حتى في غياب التهديد بالسيف. وتعيدني هذه الواقعة إلى ما يروى عن الشاعر الشناوي (كامل أو مأمون؟)، في ستينيات القرن العشرين، عندما سخر من الحيرة أمام التوجه الاشتراكي، قائلاً: "يا ترسملونا يا تمركسونا.. يلعن أبوكم على أبونا".
فلا ترسملنا ولا تمركسنا، نريد فقط العدل والحرية.
